التكوين في الجيش الوطني الشعبي
يعد التكوين و تأهيل العنصر البشري حجر الزاوية لأي مسعى تطويري، لذا فإن اهتمام الجيش الوطني الشعبي بالتكوين ليس وليد اليوم، بل هو نهج أصيل متجذّر، ورثه عن جيش التحرير الوطني الذي برغم قلة و محدودية إمكاناته، اهتم بالتكوين إبان الثورة التحريرية، حيث تخرجت الدفعات الأولى من الطيارين والمهندسين حتى قبل استرجاع سيادتنا الوطنية.
يعد التكوين في الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني القاعدة الأساسية في مشروع بناء دفاع عصري، وقد عرف هذا المجال منذ الاستقلال إلى يومنا، وعلى مراحل، عدة إصلاحات تتماشى مع قدراتنا الذاتية وخصوصيات عقيدتنا العسكرية، وقد قطع أشواطا معتبرة على أكثر من صعيد، على درب الاحترافية والتحكم المتنامي في التكنولوجيات العسكرية الحديثة.
في هذا السياق، تميزت المرحلة الممتدة من سنة 1962 إلى سنة 1975 بإنشاء الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة ومدارس تابعة لمختلف القوات ومراكز التدريب ومدارس أشبال الثورة، كما سمح تأسيس الخدمة الوطنية سنة 1968، بإعطاء ديناميكية جديدة للجيش الوطني الشعبي، من خلال تدعيمه بالكفاءات البشرية بغرض تنفيذ مهام الدفاع والمهام التي تكتسي مصلحة وطنية.
خلال المرحلة الممتدة من سنة 1976 إلى سنة 1983، أولت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي أهمية بالغة للتكفل بالتكوين بجميع جوانبه، من خلال تحيين برامج التحضير القتالي والتكوين، وكذا إعداد مناهج استغلال البرامج ومباشرة دورات الإتقان ودروس القيادة والأركان ودورات عليا لمختلف الأسلحة، كما عرفت هذه المرحلة إعداد نصوص قانونية تحكم مسار تكوين الضباط وضباط الصف ورجال الصف.
وعرفت الفترة الممتدة من سنة 1984 إلى سنة 1991 خصوصا إعادة هيكلة الجيش الوطني الشعبي، في شقها المتعلق بالتكوين، إذ تم حل مديرية التدريب وتعويضها بمكتب التعليم العسكري لأركان الجيش الوطني الشعبي، وكذا إنشاء مدارس عليا للقوات (القوات البحرية والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم) وحل مدارس أشبال الثورة.
أما خلال المرحلة الممتدة من سنة 1991 إلى سنة 2005، وبالنظر للوضعية الأمنية للبلاد آنذاك، تم تكييف برامج التكوين بالمدارس ومراكز التدريب مع عمليات مكافحة الإرهاب، كما تميزت هذه المرحلة بلامركزية التكوين لفائدة قيادات القوات والدوائر والمديريات المركزية وإنشاء مدارس تطبيقية للأسلحة والمدرسة الوطنية التحضيرية لدراسات مهندس.
وقد شهدت الفترة الممتدة من سنة 2005 إلى يومنا هذا تطورا نوعيا في ميدان التكوين من خلال تكييف جهاز التكوين للجيش الوطني الشعبي بما يستجيب لمقتضيات الوضع الراهن مع تحويل عدة مدراس تطبيقية الى مدارس عليا و كذا انشاء المدرسة العليا العسكرية للإعلام و الاتصال في سبتمبر 2017 وكذا الاعتناء بالمورد البشري عناية أكبر تكوينا وتدريبا، وفق مناهج عصرية، في المقام الأول، وتطوير التجهيزات والقاعدة المادية والتقنية تطويرا مطردا، من جهة أخرى.
لقد كان التكوين دوما، وسيبقى، القاطرة التي تدفع بقواتنا المسلحة نحو التطور، حيث تبذل جهود مضنية في هذا المجال وعلى كل المستويات، في هذا الصدد، تحرص القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي باستمرار على تحسين مستوى التعليم والتكوين والإعداد الجيد لأفرادها، إذ لا يقتصر ذلك على تعزيز القاعدة البيداغوجية للمدارس ومراكز التدريب لتواكب ما بلغته الجيوش الحديثة في هذا المجال فحسب، بل أيضا من خلال تكييف منظومتنا التكوينية مع العصرنة ومع كل ما هو جديد استجابة للتحديات الراهنة والمستقبلية.
مدارس أشبال الأمة ..الاستمرارية والتميز
حرصا منها على مواصلة الدرب وتعزيز التلاحم بين الجيش وعمقه الشعبي في شتى ربوع الوطن، عملت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي غداة الاستقلال على الاستثمار في الرصيد البشري الزاخر المتشبع بالقيم الوطنية، المشكل أساسا من أبناء الشهداء والمجاهدين ليكون هؤلاء اللّبنة الأولى في بناء الجزائر الفتية.
فأنشئت مدارس أشبال الثورة في ماي 1963، لتشكل مشتلة حقيقية تزود مختلف هياكل الدولة الجزائرية بالمئات، بل الآلاف من الإطارات الكفؤة، قبل أن يتم التخلي عن هذا النمط من المدارس سنة 1986.
وبعد 22 سنة من هذا القرار، وتدعيما لمسار عصرنة واحترافية الجيش الوطني الشعبي، تقرر إحداث مدارس أشبال الأمة في 26 أكتوبر 2008، إحياءً للنهج التكويني القويم لمدارس أشبال الثورة وبعثا لها من جديد، وهو النهج المعتمد على الانتقاء المبكر للعنصر البشري الفتي متعدد المواهب، والذي أثبت فعاليته في تعزيز صفوف الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، بالكفاءات المطلوبة في جميع مجالات النشاط العسكري، ليتم تجسيد ذلك في 13 سبتمبر 2009 عبر فتح مدرسة أشبال الأمة الثانوية بمدينة وهران خلال السنة الدراسية 2009- 2010.
وتكريسا لهذه السياسة الرشيدة، أولت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي أهمية قصوى لهذا التوجه، فتم في ظرف وجيز وبوتيرة متسارعة إحداث ثلاث (03) ثانويات "ذكور وإناث"، بوهران والبليدة وسطيف، وكذا سبع (07) متوسطات بكل من بشار والأغواط وباتنة وبجاية وتمنراست والمسيلة وتيارت.
إن هذه القلاع التربوية والتعليمية التي تمثل مكسبا هاما للجيش الوطني الشعبي، وخطوة عملاقة في مسار الاحترافية، تحمل على عاتقها ضمان تأطير بيداغوجي عالي المستوى للأشبال، بالنظر للوسائل البشرية والمادية الهائلة المسخّرة في سبيل توفير كل شروط النجاح والتألق، وهو ما ترجمته النتائج الباهرة المحققة من طرف هؤلاء الأشبال سواء في الطور المتوسط أو الثانوي، وهي النتائج التي تثلج الصدور وتبشر بمستقبل مشرق وآفاق واعدة للبلاد عامة وللجيش الوطني الشعبي خاصة، من خلال الاستفادة من هذه الطاقات البشرية والنخبة المستقبلية لتدعيم مختلف قيادات القوات والمديريات كمهندسين وطيارين وأطباء وبحريين.
إن الجهود الجبارة التي بذلها الجيش الوطني الشعبي لإنجاح مدارس أشبال الأمة، جعلت اليوم منها خزانا متجددا لا ينضب للنخب المكوّنة تكوينا يتوافق ومتطلبات عالم اليوم، تكوين يجمع بين استيعاب المعارف العصرية بكافة تفرعاتها العلمية والتشبع بالقيم الوطنية لثورتنا التحريرية المجيدة ليتجسد بحق شعار:
"مدارس أشبال الأمة: معرفة.. وفاء.. إنضباط".