الأكاديمية العسكرية لشرشال الرئيس الراحل هواري بومدين صرح تكويني عتيد وأيقونة المنظومة التكوينية للجيش الوطني الشعبي، تعمل تحت وصاية قيادة القوات البرية، وتتواجد بإقليم الناحية العسكرية الأولى، وهي هيئة تكوينية عسكرية علمية تساير ركب التطور التكنولوجي الحاصل في مختلف المجالات بالتركيز على العنصر البشري الكفء وتأهيله علميا، عسكريا وبدنيا على نحو يمكّن خريجيها من ضباط وقادة من اكتساب كل مقومات التمرس المهني عسكريا، علميا وأخلاقيا بما يتوافق مع المهام المخولة دستوريا وأدائها بكل مسؤولية وكفاءة واقتدار.


يمثل العنصر البشري الدعامة الرئيسية لبناء الجيوش، ومصدر قوتها وتطورها، مما يستدعي إيلاءه أهمية خاصة من أجل مواجهة التحديات المحتملة وتحقيق الرهانات المستقبلية، في ظل تسارع رقمي وتكنولوجي واستراتيجي مستمر، خاصة ما تعلق بأساليب الحرب الحديثة، ما يدفع بالضرورة إلى التكيّف المستمر للمنظومة التكوينية، وتحديث أساليبها البيداغوجية منها والتقنية من خلال الاعتماد على التقنيات الحديثة للتكوين.


تقع الأكاديمية العسكرية لشرشال الرئيس الراحل هواري بومدين بمدينة شرشال الساحلية السياحية على بعد مائة (100) كلم غرب الجزائر العاصمة، وبفضل موقعها الجغرافي، إكتسبت شرشال مكانة إستراتيجية هامة في البحر الأبيض المتوسط منذ الأزل، فهي تعد من أعرق مدن شمال إفريقيا، أسّسها الفينيقيون في أواخر القرن الخامس 5 ق.م، وأطلقوا عليها إسم إيول (IOL) وفي سنـة 25 ق/م، جعلها الملك النوميدي «يوبا الثاني» عاصمة لمملكته موريطانيا وأطلـق عليهـا إسـم «القيصرية»، كما عرفت المدينة مختلف الفتوحات الإسلامية حيث سيطر عليها الأمويّون عام 987م، ثم توالت عليها الأحداث حتى سنة 1509 م أين سقطت في أيدي الإسبان، وبعدها تحت الاحتلال الفرنسي في 05 مارس 1840، وتعد شرشال متحفا مفتوحا على الهواء الطلق بفضل التحف والآثار المترامية هنا وهناك التي تروي تاريخها العريق وتحفظه من الزوال والإندثار.


يعود تاريخ فكرة إنشاء الأكاديمية إلى بداية أربعينات القرن الماضي من طرف السلطات الإستعمارية، وهذا بسبب حلّ مدرستي سان سير وسان ماكسون بعد الغزو الألماني لفرنسا سنة 1940 إبان الحرب العالمية الثانية، وكذا فصل شمال إفريقيا عن فرنسا بسبب إنزال الحلفاء، هذه الظروف فرضت على السلطات الفرنسية إنشاء مدرسة للضباط في شمال إفريقيا، بهدف تكوين قادة فصائل وسرايا، فوقع الإختيار على شرشال لتكون مقرا للمدرسة العسكرية الخاصة لتكوين الضباط عسكريا من مختلف الأسلحة بغرض تزويد وتدعيم الجيوش الإستعمارية المتواجدة داخل فرنسا وخارجها في المستعمرات، وتحرير الأراضي الفرنسية من الإحتلال الألماني وذلك سنة 1943م، وعرفت عدة تسميات منها مركز تدريب الطلبة الضباط، مدرسة الطلبة المرشحين لشمال إفريقيا.


في سنة 1946م أوكلت السلطات الإستعمارية لمدرسة شرشال مهمة تكوين ضباط الصف العاملين، وضباط الإحتياط، حيث تم تكوين ما بين سنتي 1946 م و1958م ما يقارب 10 آلاف ضابط صف وعدد مماثل من ضباط الإحتياط، شاركوا في حروب الهند الصينية، كما استعملوا ضد الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية المجيدة. وفي سنة 1959م قررت وزارة الحربية الفرنسية تخصيص مدرسة شرشال لتكوين ضباط الإحتياط فقط، وبقيت مستمرة في نفس المهمة حتى 1962م.

عشية إسترجاع السيادة الوطنية، وفي شهر جوان 1963 تحديدا، أسندت وزارة الدفاع الوطني لهذه المؤسسة مهمة تأهيل الضباط وضباط الصف المنحدرين من جيـش التحريـر الوطنـي، وكذا تدريب إطارات الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، وتحضيرهم لقيادة مختلف وحداته وهياكله وحملت إسم الكلية العسكرية لمختلف الأسلحة، ومنذ تأسيسها، قامت بتكوين العديد من الضباط الأكفاء في مختلف التخصصات، وتخرج منها إطارات وكفاءات عسكرية شغلت مناصب عليا في قيادة الجيش الوطني الشعبي والدولة الجزائرية، كما قامت في نفس الوقت، بتكوين إطارات عديدة من الدول الشقيقة والصديقة العربية منها والإفريقية، منهم من تقلّد مناصب هامة وحساسة في بلدانهم.

في سنة 1979 تم تنظيم هذه المؤسسة التكوينية التي أصبحت منذ ذلك التاريخ تعرف بالأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة، أين عرفت تطورا نوعيا في مناهج التكوين، كما فتحت المجال لدورات تكوينية جديدة، توفر تعليما عاليا وتكوينا أساسيا في التخصصات المتعلقة بأسلحة القتال، إضافة إلى تكوين قادة الفصائل والمحافظين السياسيين، ما يعرف اليوم بضباط الإعلام الإتصال.

منذ سنة 1991 ألحقت بقيادة القوات البرية، وكلفت بمهام التكوين العالي لضباط دورة القيادة والأركان والتكوين الأساسي للطلبة الضباط العاملين والتكوين الخاص للطلبة الضباط الحائزين على شهادات جامعية.


        


ابتداء من سنة 2007 وتبعا لتوجيهات القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبهدف توحيد التكوين لجميع ضباط الجيش الوطني الشعبي، وفتح جسور على التكوين الجامعي، عرفت الأكاديمية طابعا تكوينيا جديدا وموحدا لفائدة الطلبة الضباط العاملين لمختلف هيئات وقوات الجيش الوطني الشعبي، يشمل سنة كاملة من التكوين العسكري المشترك القاعدي، ليواصل بها الطلبة الضباط العاملون المنتمون للقوات البرية والوحدات البرية للقوات الجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم، والحرس الجمهوري تكوينهم الجامعي بنظام LMDفي اختصاصات العلوم والتكنولوجيا، أما الطلبة المنتمون للأسلحة الأخرى فيلتحقون بمدارسهم العليا لمواصلة التكوين بنفس النظام.

تم الشروع في الطور الثاني "ماستر" بداية من السنة الدراسية 2015 – 2016، وقد شهدت المناهج التعليمية العسكرية تحولات برزت جليا مع استحداث هذا النظام الجديد والذي يعتبر قفزة نوعية لإنجاح المسار الإصلاحي وربح رهان الاحترافية في الجيش الوطني الشعبي. في سنة 2020 شهدت الأكاديمية ولأول مرة تجنيدا مباشرا لدفعة خاصة لفائدة قيادة القوات البرية من الطلبة الضباط العاملين – صنف إناث- المتحصلات على شهادة الباكالوريا والتي ستعطي قيمة مضافة لقوام المعركة البري.